هل يجوز لعن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان؟
عرض علي هذا السؤال من احد الإخوة وكذلك عند تبييني لمتن بدء الأمالي وفيه بيت يقول:
البيت رقم 37 منه:
ولـم يلعـن يزيـدا بـعـد مــوتٍ
سوى المكثار في الإغراء غالِ
فقلت الآتي:
جاء في صحيح مسلم عن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله تعالى عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ».
وفي مجمع الزوائد وفيه وعن عبد الله بن عمرو ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ آذى أَهْلَ المَدِينَةِ آذَاهُ الله وعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ الله مِنْهُ صَرْفاً ولا عَدْلاً».
كذا في الترغيب والترهيب (2/153) وفي الجامع الصغير للسيوطي وقال حسن.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث السائب بن خلاد أبي سهلة رضي الله تعالى عنه (4/651) عن عطاء بن يسار عن السائب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً».
وفي مصنف ابن أبي شيبة (7/551)عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخَافَ أَهْلَ المَدِينَةِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلاً، مَنْ أَخَافَهَا فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» وأشار إلى ما بين جنبيه.
ويزيد بن معاوية أرسل جيشا إلى المدينة المنورة واستباحها لجنوده ثلاثة أيام، أرهب أهلها وأخافهم ونكل بهم، ثم وجه جيشه إلى أهل المكة يريدها بسوء كما فعل في المدينة ، وبعد ذلك لا يستحق أن يلعن؟!!
جاء في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر (6/313) في ترجمة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ما نصه:
" .... ثم خرج أهل المدينة على يزيد، وخلعوه في سنة ثلاثة وستين، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المري، وأمره أن يستبـيح المدينة ثلاثة أيام، وأن يبايعهم على أنهم خول وعبـيد ليزيد فإذا فرغ منها نهض إلى مكة لحرب ابن الزبـير، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبـيحة، وقتل بها خلقاً من الصحابة وأبنائهم وخيار التابعين، وأفحش القضية إلى الغاية، ثم توجه إلى مكة، فأخذه الله تعالى قبل وصوله .. " اهـ المراد منه.
وجاء في سير اعلام النبلاء للحافظ الذهبي (5/81) ما نصه:
" ... افْتَتَحَ دَوْلَتَهُ بِمَقْتَلِ الشَّهِيدِ الْحُسَيْنِ، وَاخْتَتَمَهَا بِوَاقِعَةٍ الْحَرَّةَ، فَمَقَتَهُ النَّاسُ.
وَلَمْ يُبَارَكْ فِي عُمْرِهِ. وَخَرَجَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ. كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَامُوا لِلَّهِ وَكَمِرْدَاسِ بْنِ أُدَيَّةَ الْحَنْظَلِيِّ الْبَصْرِيِّ وَنَافِعِ بْنِ الأَزْرَقِ وَطَوَّافِ بْنِ مُعَلَّى السَّدُوسِيِّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. " اهـ
وفوق هذا كله فقد عرف في يزيد بن معاوية أنه سكير شارب خمر، تجلب له ويستقي منها حتى يسكر، وجاء لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على من يشرب الخمر.
جاء في سنن أبي داود ابنَ عُمَرَ ، يَقُولُ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «لَعَنَ الله الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إلَيْهِ».
وفي السنن الكبرى للبيهقي عن أبي عَلْقَمَةَ مولاهم و عبدِ الرحمنِ بنِ عبد الله الغَافِقِيِّ أنهما سمعا ابنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنُ الله الخَمْرَ وشَارِبَهَا وسَاقِيَهَا وبَائِعَهَا ومُبْتَاعَهَا وعَاصِرَهَا ومُعْتَصِرَهَا وحَامِلَهَا والمَحْمُولَ إليهِ». زاد جَعْفَرٌ في روايَتِهِ: «وآكِلَ ثَمَنِهَا».
ثم ألا يستحق يزيد اللعن؟!!
جاء في كتاب الحافظ ابن الجوزي " دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" ص102 وهو ينصح المجسمة من الحنابلة فقال:
" ثم زينتم مذهبكم أيضًا بالعصبية ليزيد بن معاوية ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته" اهـ المراد منه.
يقصد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، أجاز لعن يزيد بن معاوية، فما لهذا المتعصب ليزيد يقول بأن لاعن يزيد غال ومكثار بإغراء؟!!
ومالهذا المقلد في شرحه من غير بصيرة يذكر أمورا ليس في محلها، وهو عدم لعن المؤمن؟!! نعم صحيح لعن المؤمن المعين لا يجوز، ولكن إن اقترف أمورا توجب لعنه فما المانع إذن.
أحب أن أضيف أمرا على كلام الجبرين ما يلي:
إن أول جيش غزا القسطنطينية كان قائده يزيد بن معاوية ولكن لم يفتح القسطنطينية، وهناك حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ويثني على أول غاز لها وفاتح للقسطنطينية، فكان أول قائد فاتح في تاريخ الإسلامي هو السلطان العثماني محمد الفاتح رحمه الله تعالى وليس يزيد بن معاوية .
أي يغزواها ويفتحها، فنعم الجيش جيشها ونعم الأمير أميرها ... ظل حلم فتح مدينة "القسطنطينية" يداعب خيال الفاتحين المسلمين ثمانية قرون كاملة ، وجرت محاولات عديدة لفتحها لكنها لم تتم وذلك منذ عهد معاوية بن أبى سفيان بقيادة ابنه يزيد، ثم جاءت دولة بني العباس ثم المماليك ثم دولة بني عثمان الأتراك، كلهم كان يود أن يكون هو صاحب البشارة النبوية التي بشر بها النبي – صلى الله عليه وسلم- بقوله :
" لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش" ، فمن هو صاحب تلك البشارة ...إنه "محمد الفاتح" ابن السلطان العثماني "مراد الثاني ....
ثم بعد غزوة قسطنطينية بقيادة يزيد، مات معاوية وتولى يزيد الخلافة بعد أبيه فماذا فعل في خلافته؟؟
لم يحسن وشرع في سفك أطهر دم على الوجود دم سيدنا الحسين رضي الله عنه، وكذلك دماء أهل المدينة من التاربعين وأبناء الصحابة!!!
فكان كالتي نقضت غزلها ... فعلا إن الحسنات يذهبن السيئات ... ويجوز العكس كذلك كما تقرر عند الفقهاء!!!