رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالفاحش المتفحش
لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الفحشاء، والبذاءة، وما يؤدي إليهما، وأن ليس من خلق المؤمن التقي البذاءة والفحش فيه، في القول والعمل، وقد أنكر على السيدة عائشة – رضي الله عنها – رد شتم اليهود على النبي كما جاء في صحيح مسلم وغيره، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَى النَّبِيِّ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ «وَعَلَيْكُمْ» قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ «يَا عَائِشَةُ لاَ تَكُونِي فَاحِشَةً» فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ «أَوَ لَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمُ الَّذِي قَالُوا؟ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
فدفاعها عنه سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحشًا، وهي ترد على اليهود سبهم، وهذا يؤكد على مدى خلق الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ضد من يشتمه، أو يدعو عليه.
وإن كان في الأمر حرمة عظيمة، ويريد تغليظ حرمتها، لا يستخدم الكلام الفاحش ضد هذا الشيء المحرم، ليؤكد على غلظة تحريمه، بكلام فاحش بذيء، مثل عبارة (عض به هنَّ أبيه) كما جاء في قول وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «من تعزى بعزاه أهل الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا» فسمع أبـي بن كعب رجلاً يقول: يا لفلان! فقال: اعضض أير أبيك، (وفي رواية يقول: أعضك الله بأير أبيك) فقال: يا أبا المنذر! ما كنت فاحشاً فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. رواه أحمد في مسنده.(5/136).
أنظر كيف أنكر الرجل على الصحابي قوله الفاحش، وانظر كيف أنه قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك، يقر بنفسه أنه كلام فيه فحش، ولكن احتج بما أمرهم به رسول الله، فأقول: هل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بكلام فاحش بذيء ضد فعل محرم؟! حاشاه، فهذه من الروايات التي لا أقبلها جملة وتفصيلا، ومع الأسف هناك من يذكرها، ويبرر لها.
وفي صحيح ابن حبان رقم(5597) عن عُبيد الله بنِ عبد الله ، قال : رأيتُ أُسامةَ بنَ زيدٍ يُصَلِّي عندَ قبرِ رسولِ الله، فخرجَ مروانُ بنُ الحَكَمِ، فقالَ: تُصَلِّي إلى قبرِهِ؟ فقالَ: إنِّي أُحِبُّهُ، فقالَ لَهُ قولا قبيحاً، ثُمَّ أدبرَ، فانْصَرَفَ أُسامَةُ، فقالَ: يا مَرْوَانُ إنَّك آذيتَني، وإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يقولُ: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ » وإنَّكَ فَاحِشٌ مُتَفَحِّشٌ». (5/358).
وكل التبريرات التي قالها الطحاوي في شرح مشكل الحديث، والمناوي في فيض القدير مردود، والرد على ما قالا وهو عن عمرو قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة قال: يرون أنها غزوة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري: يا للمهاجرين فسمع ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» فقيل: رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: «دَعُوهَا فَإنَّهَا منتنة».
قال جابر : وكان المهاجرون حين قدموا المدينة أقل من الأنصار ثم أن المهاجرين كثروا، فبلغ ذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسمع ذلك عمر فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: «يَا عُمَرُ دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثِ النّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». رواه مسلم وأحمد في مسنده.
فلم يقول للأنصاري عض أير أبيك، ولم يقول للمهاجري وأنت عض أير أبيك ... فما هذا الكلام وما هذا الخلق السيء، بل قال دعوها فإنها منتنة فقط ...!!!