خطبة رمضان عام 1440
 أقرأ المزيد
 
خطبة رمضان عام ١٤٣٨ هجرية
كعادتي من كل عام عند بداية الشهر الفضيل رمضان أقرأ المزيد
 
المؤتمرات العربية الإسلامية
تعليقي على عقد المؤتمرات والقلوب مشتتة وفيها ما فيها أقرأ المزيد
 
أمور ينشغل بها المصلي بلا فائدة
عليك بصلاتك وخشوعك ودع عنك ما يلهيك أقرأ المزيد
 
مآذن سويسرا
تعليق حول رجل كلمني عن هدم مآذن المساجد في سويسرا أقرأ المزيد
 
مناظرة السيد يوسف بن هاشم الرفاعي لعبد الرحمن عبد الخالق
تعليق على المناظرة وما تم فيها أقرأ المزيد
 
الانتصار للنبي العدنان
 أقرأ المزيد
 
هل نعتدي عليهم بمثل ما اعتدوا علينا !!!
فكرة نقدية حول الاعتداء على المعتدي بالمثل أقرأ المزيد
 
رسول الله ليس بالفاحش المتفحش
بيان أن التفحش والبذاءة ليست من خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهما جاءت الأحاديث عن ذلك فهي مردودة عندنا غير مقبولة ولا نبرر لها أقرأ المزيد
 
التاريخ يعيد نفسه
الاتهامات الجائرة التي توجه للمفكر والباحث المتحرد للحق وليس المتعصب لمذهب ولرأي أقرأ المزيد



احفظ
العودة
جوابُ حصيف جاهز في ضرب العصاة والنواشز


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن أصحابه المبجلين.

وبعد:

الضرب، والعقاب بالضرب، والتعليم بالضرب، والتأديب بالضرب، والزجر به، فهي وسيلة ضرورية نحتاج إليها مهما كان، ولكنه آخر ما نفكر به، ويجب أن نمارسه بحكمة ووعي حتى لا يخرج من الحد المرجو إلى التعذيب، والتخريب، والترويع، لأن البعض يسيئ استخدامه، من أجل الانتقام، والتشفي وغير ذلك مما هو ممارس بطرق وحشية، فأدى إلى إلغاء العقاب بالضرب تماما!! أو أصبحت جريمة يعاقب عليه القانون في بعض البلدان!!

       لا أقول بالاعتداء على الآخرين بالضرب، ولا أقول بممارسته في تقويم سلوك الأطفال، فكل ذلك لم يأمر ولم يحث ولم يرغب فيه ديننا الحنيف، ولكن هناك مما نسمية بالجزاءات فيه الضرب كالحدود مثل شارب الخمر أي السكران، والقاذف للمحصنين (من النساء والرجال)، والزاني، حتى في التعزير حسب مايراه القاضي إن كان الضرب زاجرا، ففيه منفعة، فالضرب كعقاب حاجة ضرورية، وله عدد معين من خمسين ضربة للسكران وثمانين للقاذف إلى مائة للزاني، فالضرب موجود كعقاب لجريمة معينة ومعلومة في الدين ...!!! وهناك منها ترك للقاضي يقرر إن كان الضربزاجرا أو الحبس أو الغرامة المالية حسب الجريمة وكيفية العقاب الزاجر الذي يراهالقاضي، وهذا ما يسمى التعزير، وربما كان فيه القتل!! وكل ذلك مبسوط في فقه الحدود!!

       ولكن جرى النقاش والشد والجذب حول ضربالزوجة الناشز، وما المراد في قول الله تعالى واضربوهن، فهل تضرب الزوجة؟ وهل ديننا يأمر بالوحشية والعنف ضد الزوجة؟ وهل ما يمارس الآن من ضرب الزوجات وصفعهنعلى وجوههن، أو ضربهن بعصا الخيزران أو بالسياط، وقهرهن مما يدعو إليه ديننا ضد المرأة؟

       كيف يكون ذلك والله تعالى قال في كتابه الكريم أنه كرّم بني آدم، والضرب إهانة للكرامة، وهو مذلة، واستعباد، وسلب الحق عن المضروب، والضرب لا يجعل المرأة أن تقتنع بالعدول عن موقفها بل يزيدها كرها لزوجها إن ضربها، وربما ولّد فيها الحقد ضد زوجها؟

       سأجيب عن هذه التساؤلات وغيرها، ولا أسعى لإرضاء الناس، ولا أمشي الدين على حسب هوى الناس أو البعض من الناس، إنما أبين اللبس والخطأ وأوضح الحق، فإن قبلوه بها ونعمت، وإن لم رفضوه فشأنهم، لا أليّن الدين وألويه على حسب ما يرون ويقولون، فهذا دين لا تلاعب فيه!!

       نبدأ بعد الاستعانة بالله عز وجل أقول:

 يقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚفَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚوَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} سورة النساء: 34-35.

الرجال قوّامون، أي يقومون برعاية نسائهم، سواء كانت أزواجهم أو أخواتهم أو أمهاتهم أو بناتهم، ولكن هنا نتكلم عن الزوجة، فالرجل يقوم بحقها من مسكن، ومأكل، وملبس، والمصاريف والحاجيات، لأن الشقاء والتعب على الزوج، في سبيل بناء بيت زوجي وتكوين أسرة ... فالرجل قوّام، على وزن فعّال، دليل على التكرار والديمومية، والاستمرار، لا ينقطعُ مادام متزوجًا.

فالزوجة الصالحة قانتة، إي طائعة متعبدة لله عز وجل، فهي قانتة، وجمعها قانتات، ومن طاعتها لربها أن الله تعالى أمرها أن تطيع وتحترم زوجها، مادام أنه قائم بواجباته معها، فعليها حقوق وواجبات هي أخرى، ولا تتعالى عليه، ولا تتمرد، فقد ذكر رسول الله ﷺ ما جاء في مسند أحمد: ((إِذَا ‏صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ‏ شِئْتِ)). وهو حسن لغيره، وصححه الحافظ السيوطي في الجامع الصغير.

ومنها أيضا قوله ﷺ : ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظرإليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته أو حفظته في نفسها وماله)).رواه ابن ماجة. رقم الحديث (1857) وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وله شواهدمن حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم.

فالصالحة التي تقومبالفرائض من الصلاة والصيام والحج والزكاة، مع طاعة زوجها وصيانته وصيانة نفسها،فكل ذلك من طاعة الله عز وجل ... وتراعي حقوق زوجها وتحفظه وتحفظ نفسها وماله،لأنه قائم بحقوقها، أما المرأة التي تحصل على حقوقها، والزوج أعطاها ولم يقصر منمأوى وملبس ومأكل، وواجبات، ووفر لها كل ذلك ثم تكون ناشزا، فنشوزها على ماذا!؟

قال تعالى: {وَاللَّاتِيتَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِوَاضْرِبُوهُنَّ}

ما هو النشوز؟

النشوز باللغة العربيةهو التعالي والترفع، ويقال أرض ناشز أي مرتفعة، وللكلمة عدة استعمالات ومعاني وهيمذكورة في القرآن الكريم، ولكن هاهنا في هذه الآية، هي المرأة التي استعلت وتكبرتوتغير سلوكها على زوجها مع قيام الزوج بواجباته تجاهها، فإن كان هناك تقصيرا منالزوج تجاه زوجه، فعليه إصلاحه لأنه السبب في النشوز وتغير الزوجة، وهذا يعرف عندالجلوس والحوار بين الزوج وزوجه وخلال الوعظ والنصح!! والسؤال والاستفسار وغيره...

هذا متى يكون؟ عندالخوف من نشوز الزوجه، أي بوادر النشوز، بداياتها، فتكون المبادرة للعلاج فورًالهذا الخلل قبل أن يتفاقم، وتكبر المشكلة، وتكون الزوجة عسرة التعامل، فمن البدايةيكون الوعظ، فإن لم ينفع فالهجر في المضجع، ولا أطيل الكلام  والشرح حولهما، لأن الكلام الآن عن الضرب، وقد أقامواالدنيا وأقعدوها حول هذه الكلمة!! أعني المنكرين والمشككين والنفسيين وكذاالمسيئين للدين.

ومنهم من أخذ يبحث عنمادة (ضرب) ومشتقاتها في القرآن الكريم فوجد لها معانيَ متعددة، منها:

 

أولا: السير والسفر.

عند قول الله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْفِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْخِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوالَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} سورة النساء:100.

وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَالْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْأَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ... الآية}سورة المائدة:106.

وكذا قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِالَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِيالْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمبِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍفَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} سورة البقرة: 273.

وقال تعالى: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَاإِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِيَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ} سورة طه:77.

فهذه مجازا تعني السفرأو السير كما هو واضح في الآيات البينات.

 

ثانيا: منها ضربالأمثال أي ذكر الشيء.

كقول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَاثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} سورة إبراهيم:24.

وقوله أيضا: { وَاضْرِبْ لَهُممَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} سورة يس:13.

وقوله أيضا: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ *وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚبَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} سورة لبزخرف: 57-58.

 

ثالثا: ومنها الحجابأو العازل أو التغطية.

كقول الله تعالى: { يَوْمَ يَقُولُالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِننُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمبِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِالْعَذَابُ} سورة الحديد:13.

وأيضا: { وَلْيَضْرِبْنَبِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} سورة النور:31.

 

رابعا: منها الجعل،والصنع.

كقوله تعالى: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُالذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَالنَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَالْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}سورة آل عمران:112.

وكذا قوله تعالى: { فَضَرَبْنَا عَلَىٰآذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} سورة الكهف:11.

 

وأخيرا: هو الضربالحقيقي بمعناه (إيقاع الشيء على الشيء).

فالضرب: إيقاع شيءٍعلى شيءٍ، وأزيد عليه: بحركة سريعة سواء كان باليد أو بالعصا أو بالسيف أوبأي شيء آخر، وكل ما سبق من المثال الأول حتى الرابع، هي معاني مجازية، أماهاهنا فمعناه الحقيقي، والذي تركوه غالب المشككين وغيرهم أن يذكره ...!! إما عمدًاوهذا هو الراجح عندي، أو سهوًا.

وهي قول الله تعالى فيالآية التي نحن بصددها عن نشوز الزوجة، ومنها قول الله تعالى: { وَإِذِ اسْتَسْقَىٰمُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ...الآية} سورةالبقرة:60.

وقوله أيضا: { فَرَاغَ عَلَيْهِمْضَرْبًا بِالْيَمِينِ} سورة الصافات:93.

وقوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْيَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْوَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} سورة الأنفال:50.

وكذا: { فَإِذَا لَقِيتُمُالَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ... الآية} سورة محمد:4.

وأيضا: { فَاضْرِبُوا فَوْقَالْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} سورة الأنفال:12.

فهل في تلك الآياتتخبر بأن الضرب هاهنا يُصد فيه شيءٌ أخرٌ...!؟ كلا لا تقصد سوى الضرب، ولنعودللآية التي نتكلم عنها وهي قول الله عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّفَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}

فيقول المشككون: أنذكر (واضربوهن) معناه مشكل وهي من المتشابهات المشكلات!! وجاء الضرب في الآياتبمعاني متعددة ...!!

يقول بدر الوراد: لابأس فهل معنى الآية هنا السفر والسير في كلمة (واضربوهن) أم الحجاب أم سرد الأمثالوالقصص وذكر الأشياء، أم الجعل والصنع من الله تعالى أم ماذا؟ إن قلتم إنها واحدةمن هؤلاء، فأنتم لا تفقهون العربية، بل فيكم عجمة ظاهرة الوضوح ...!!

قالوا: كيف يؤمر الزوجبضرب الزوجة وإهانتها إذن ...!؟

يقول بدر الوراد:

هذا هو السؤال الوجيه،والجواب عليه سهل وطفيف، وأقول: ليس الضرب في قوله تعالى (واضربوهن) ما يتبادر فيأذهانكم من إهانة وإيلام وغير ذلك !!

ولنوضح الفكرة، هناكقوانين، في أي بلد ما، ونواهي قانونية، فإن ارتكبتها ستعاقب عليها بالقانون، فماذاتفعل، أتنتهك القانون وتفعل المحظور، بالطبع لا، وإن فعلت المحظور فلا تلوم إلانفسك، لأنك أهنت نفسك بنفسك، ولو كنت رجلا رشيدا عاقلا، ما ارتكبت هذه الممنوعاتالقانونية!!

وبالنسبة للمرأة لاتتعرض لما يهينها وترتكب المحظور ومنها النشوز مع أن الزوج قائم بحقوقها على أكملوجه، ثم استعصت عليه وتعالت رغم الوعظ والهجر فلم ينفع معها، لتماديها وعجرفتها،فإن ضاق ذرعا من سلوكها ثم ضربها، فهي التي أهانت نفسها، هذا حسب منطقكم ...!! وقدقيل: العصا لمن عصى، مع أن الإسلام لا يقصد بالضرب إهانتها ولا إذلالها كماتصورتهم!! فهناك ضوابط للضرب!!

من تلك الضوابط:

 

1- أن لا يكون الضربموجعا مؤلما يلحق الضرر بها.

فقد روى مسلم في صحيحهبرقم (1218) عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: ((اتَّقُوا اللَّهَ فيالنِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْفُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَفُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًاغير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

وقوله: ((غير مبرّح))أي غير مؤلم ولا يلحق الضرر بالمضروب من تشويه وإسالةِ دمٍ، وشقِ جرحٍ، وكسرِللعظامِ ونحو ذلك، فهو ضربٌ لطيفٌ خفيفٌ.

وقال بعض أهل العلم:ولو بالسواك أو بالمنديل أو بطرف خرقة ونحو ذلك، وأنا أقول: حتى ولو بأطراف أصابعاليد وليس براحة اليد، بحيث أن يرفع يده عاليا -أعلى من رأسه- ليهوي به عليها فهذاخطأ، وأن لا يستخدم العصا ولا السوط، ونحوهما.

 

2- وأن لا يضرب الوجه،ولا يشتمها.

فقد جاء في سنن أبيداود برقم (2142) عَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ:  قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّزَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: ((أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَوَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَاتُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ)).

والنهي عن تقبيح الوجهوضربه جاء بشكل عام، بأحاديث أخرى. ففي صحيح مسلم برقم (2116) أثر عن جَابِرٍ رضيالله عنه قال : "نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ فيالْوَجْهِ".

والسبب أنه يلحق الضرروالتشويه للوجه، فجمال الإنسان يظهر من وجهه، وبوجهه يقابل الناس.

 

3- وأن لا تزيد عن عشرضربات.

جاء في صحيح البخاريوغيره برقم (6456) عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة رضي الله عنهقال كان النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد منحدود الله)).

وفي لفظ: ((لا عقوبةفوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله)) صحيح البخاري كتاب الحدود. وهناك ألفاظأخرى مشابهة تمنع عن الزيادة عن عشرة ضربات.

ويُفهم من ذلك أنهاليست حدًا من الحدود، إنما هي وسيلة تأديب وتهذيب وتقويم السلوك!!

4- وأن لا يكون الضربموجها لأماكن خطرة في الجسم.

على سيبل المثالالرقبة، أو الرأس، أو الأعضاء التناسلية، أو العين وما شابه فقد جاء في مصنف عبدالرزاق (7/370) ومصنف ابن أبي شيبة (5/529) خبرٌ موقوف عن سيدنا علي بن أبي طالبعليه السلام، أنه أتي بسكران فقال للجلاد: "اضرب واعط كل عضوٍ حقه، واتقالوجه المذاكير" ... وهذا أثر صحيح. وأرى أنه يأخذ حكم الرفع إلى رسول اللهﷺ.

فهذه الأماكن من الجسمخطرة فإن ألحقتها بضرر بسبب الضرب سواء كان حدا أو غيره، وتعطل العضو أو الجهاز عنوظيفته بسبب الضرب ففيها دية تدفعها للمضروب، فالحذر ثم الحذر.

قال أحد المشككين:إنما المقصود بقوله (واضربوهن) هو الإضراب، والمقصود منه الإعراض والتجاهلوالمخالفة، ويكون المعنى فليعرض عنها، كما يحدث بما يسمى الإضراب عن العمل، أيالإعراض عن العمل حتى تجاب مطالبهم، تماما كالإضراب عن الطعام ...!! بمعنى أنالزوج يعرض عن زوجه الناشز حتى تستجيب لمطالبه.

وقال أحدهم: واضربوهنأي اضربوا عنهن وابتعدوا، وخالفوهن حتى يستجيبنَ لكم ويطعنكم.

يقول بدر الوراد:

إذا قام الزوج وفعلهذه الأشياء التي ذكروها من الابتعاد عنها، والإعراض، أو مخالفة زوجه الناشز، فقدزاد في الطين بلة، وساءت حالتها، فكم من زوجات فارقن أزواجهن، وقد رفعْنَ علىأزواجهن قضايا، فلم يكن هذا الفراق والإعراض ناهيا عما هن عليه من تمرد، فمن رفعتقضايا ضد زوجها وتعرضه للمحاكم، فقد دخلت مرحلة أشد من مرحلة النشوز.

والله تعالى يقول عنالتي فيها بوادر، بداية النشوز، لقوله {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أيتخافون وقوعهن، ولم تكن ناشزًا متمردةً، لم تصل إلى هذه المرحلة المستعصية بعد،فالإعراض، والتجاهل، والمخالفة، ليس بحل رشيد عند بدايات مشكلة النشوز، لأن الوعظوالهجر في المضجع والضرب الغير موجع فيه تواصل بين الزوج وزوجه، وليس الإعراضوالمخالفة والتجاهل ناجع، بل يوصل المرأة للتمرد، وسوف تساء حالة الزوجين أكثروأكثر...!!

والهجر هاهنا، هو هجرفي نفس البيت، وفي نفس الغرفة، وفي نفس الفراش، والمقصود منه هجر العلاقة الجنسيةومقدماتها، فلا يقيم معها هذه العلاقة، فهي مرحلة تأديب، بسبب نشوزها، فكما آلمتهفلتشعر بالألم المماثل.

وسوف يقول: وهل الضرببحلٍ، والضرب وإهانة ...!!

يقول بدر الوراد:

الضرب المشروع ليسالذي يمارس الآن بشكل وحشي، فقد سمعتُ وقرأتُ حالات تضرب الزوجة بالعصي، ومراتبالسياط، أو بالعقال في شبة الجزيرة العربية، وغيرها في عالمنا الإسلامي، وهذا لايرضاه ديننا بهذه الكيفية حتى عند إقامة الحدود أيضا، ولكن أجد الحياة بين الزوجينمستمرة رغم الضرب المبرح المؤلم والذي يترك ضررا في جسدها.

والأعجب أن زوجات تضربأزواجهن، وتجدها متسلطةً في البيت، وصوتها يلج البيت لجًّا، وهو خائف منها، ومنهممن نسميه عندنا بالعامية (سِكَّان مُرْتَه) أي أصبح مثل مقود السيارة لامرأته منحيث توجهه حسب ما تريد، وتكيفه كما تشاء رغما عنه ...!!

إذا كان الضرب لا يجوزعلى الزوجات من قبل أزواجهن، فكلك العكس!! وليس لغرض من مشروعية الضرب في ديننا ضدالناشز هو إلحاق الألم على جسدها، قدر أنه ألم معنوي نفسي، كونها أخذت تنحرف عنالمسار الصحيح لها ...!! ولا يستخدم هذا النوع إلا في آخر المطاف، وآخر ما نفكرفيه!!

يتبع