فكتابه وخلال قراءتي لهفيه من أساليب النصب الخفية، وليس هذا أنني أتهمه بالنصب، ولكن النصب أصبح داءً تغلغل فينا نحن كأهل السنة والجماعة، كفرقة، لذا أخذت أتفهم نظرة الشيعة الإماميةفي اتهامهم لأهل السنة بالنصب، ولم كل ذلك؟ والجواب هو أساليب التي تنتشر فيكتبنا، وكتب مراجعنا، وفينا كأهل السنة ... ستقول كيف؟
سبق أني ذكرت أمثلة فيعدم التشنيع من يشتم وينال من سيدنا علي ابن أبي طالب، كمن يشتم وينال من الصحابةرضي الله عنهم جميعا، وهذا اسلوب قبيح ونهج من نهج النواصب.
ومنها أن أهل السنة والجماعة يتظاهرون بالحب والولاء لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والواقع أنهم من أجهل الناس في سيرهم، وفي معرفتهم، وعن تراجمهم، بل يثنون ويوثقون أعداءهم، ويعتمدون على أقوالهم، وسوف أذكر نماذج من ذلك إن شاء الله تعالى.
ومنها أن من يذكر آلالبيت، ويثني عليهم، ويطريهم، يتهمونه بالرفض، والتشيع من باب الإنكار والتوبيخ،كما اتهم الإمام الشافعي والإمام محمد بن جرير الطبري رحمهما الله تعالى بالرفض، وقد امتحن الإمام النسائي بسبب إظهار مناقب سيدنا على ابن أبي طالب في كتاب، وكان سبب موته رحمه الله تعالى.
وإني على يقين بعد كتابتي لهذا المصنف، سوف اُتهم كما تم اتهام الأئمة الكرام بالرفض، أو الميل للرفض، وغير ذلك من التفكير الواهي الذي لا يستند على دليل سوى الاعتماد على نهج النواصب فقط.
وأحب أن أقول: أن النواصب لم يظهروا في زمن حكم سيدنا علي ابن أبي طالب، كأنهم قنبلة موقوتة ظهرت ثماختفت، كما يقول البعض أو كما هو شائع، بل إن بغض سيدنا علي ابن أبي طالب كان فيوقت إسلامه أو بالتحديد أكثر بدأ بعد غزوة بدر، لأنه مجندل صناديد قريش وفلذات أكبادها من المشركين، لم يعطهم اعتبارا، وهذا بالنسبة لقريش، وقد وُجِدَ من بعض الصحابة كذلك، يبغضونه أيضا، كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي من طريق علي بن سويد بن منجوف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك لهفقال: ((يا بريدة أتبغض عليا؟)) فقلت: نعم. قال: ((لا تبغضه فإن له في الخمس أكثرمن ذلك)).
أخرج أحمد بن حنبل فيمسنده (5/350) فقال : "حدثنا يحيى بن سعيد ، حد ثنا عبد الجليل قال: انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابن بريدة فقال عبد الله بن بريدة: حدثني أبي بريدة قال:أبغضت عليا بغضا لم يبغضه أحدًا قط. قال: وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا. قال: فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا.
قال: فأصبنا سبيا. قال:فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابعث إلينا من يخمسه. قال: فبعث إليناعليا وفي السبي وصيفة هي أفضل من السبي فخمس وقسم فخرج رأسه مغطى فقلنا: يا أباالحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم صارت في آلعلى ووقعت بها. قال: فكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقلت:ابعثني. فبعثني مصدقا. قال: فجعلت اقرأ الكتاب وأقول صدق. قال: فأمسك يدي والكتاب وقال: ((أتبغض عليا؟)) قال: قلت نعم. قال: ((فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فوالذي نفس محمد بيدهلنصيب آل على في الخمس أفضل من وصيفة)). قال: فما كان من الناس أحد بعد قولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلى من علي.
قال عبد الله: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث غير أبيبريدة" اهـ
هذا بالنسبة للصحابي الجليل بريدة كيف كان يبغض عليا ثم أصبح يحبه، ولكن لم يصرح عن الصحابي الآخر الذي كان يبغض عليا وأخذ يصاحبه من هو!؟ فهل هناك غير واحد كانوا يبغضون عليا من الصحابة!؟
يقول ابن تيمية أن نعم، وتجد الجواب في منهاج السنة لابن تيمية (7/137) يقول بعد كلام:
" ... ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودّة في قلب كل مسلم، لاسيما الخلفاء رضي الله عنهم، لا سيما أبو بكر وعمر، فإن عامّة الصحابة والتابعين كانوا يودُّونهما، وكانوا خير القرون.
ولم يكن كذلك عليّ، فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه ... "اهـ
هناك كلام آخر معه سأذكره فيما بعد في إثبات تلاعب ابن تيمية وأنه يخفي أو يبطن النصبفي كتابه "منهاج السنة"، ولكن يكفي أنه اعترف أن كثيرًا من الصحابة يبغضون سيدنا عليًّا ويسبونه ويقاتلونه، والتابعين أيضا، كما يقول.
وكتاب منهاج السنة كتاب بدعي يدعو للضلالة، وفيه نصب خفي تجاه آل البيت، وخصوصا الحطُّ من قدر سيدنا علي ابن أبي طالب، من باب رده على ابن مطهر الحلي، حيث ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "لسان الميزان" في ترجمة ابن مطهر الحلي (6/319 – 320)ما نصه:
"( يوسف ) والد الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الرافضي المشهور- كان رأس الشيعة الإمامية في زمانه – وله معرفة بالعلوم العقلية شرح مختصر ابن الحاجب الموصلي شرحا جيدا بالنسبة إلى حل ألفاظه وتوضيحه وصنف كتابا في فضائل علي رضي الله عنه نقضه الشيخ تقى الدين ابن تيمية في كتاب كبير وقد أشار الشيخ تقي الدين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة حيث قال وابن المطهر لم يظهر خلافه ولابن تيميةرد عليه أي الرد واستيفاء أجوبة لكنا نذكر بقية الأبيات في ما يعاب به ابن تيمية من العقيدة * طالعت الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر وان كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات لكنه رد في رده كثيرا من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره والانسان عامد للنسيان وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحيانا إلى تنقيص علي رضي الله عنه." اهـ
وقال ابن حجر: "أطنب فيه وأسهب، وأجاد في الرد، إلا أنه تحامل في مواضع عديدة، وردَّ أحاديث موجوّدة، وإن كانت ضعيفة بأنها مختلفة" اهـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (2/188).
فلذلك أقول عنه بأنه منهاج سنة ابن تيمية، أو منهاج البدعة، أما قول الحافظ ابن حجر أنابن تيمية أجاد في الرد. أقول: من أدى رده إلى الطعن في سيدنا علي، فبئس الرد، فلم توهين الأمر إن أدى لتنقيص سيدنا علي دون أن يراقب كلامه، ويمعن النظر في أقواله!!؟ فمنهاج السنة هو منهاج البدعة والضلالة.
كان هذا الكتاب من مقتنياتي قديما، وقرأت أغلب مافيه من باب العلم في كيفية المواجهة لأي شيعي تعرض لي، ولكن كانت نظرتي للشيعة وآل البيت سوداوية، ببركة هذا الكتاب وأفكار ابن تيمية، فأي حديث فيه فضل وثناء لآل البيت، كنت أنكره، ولا أعتبر به، ولم أعلم أنني تلوثت بالنصب من حيث لا أدري، وأعتبره أنه منهج صحيح، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة، بعد مضي الأيام ولقائي بشيوخ أفاضل ومتابعة ونقاش، تبين لي خطأ ما ذهبت إليه، بل إن الشيعة منهم أصحابي، ومنهم زملائي في العمل، ومنهم جيراني، لم ألق منهم سوى الخير، وكان منهم نعم الأخ والصديق، يقع عليه المثل "رُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك".
هناك أسلوب آخر عند أهل الجرح والتعديل تستشف من وراء فعلهم النصب الخفي، حيث ذكر الدكتور المفيد عداب بن محمود الحمش -حفظه الله تعالى - في موقعه على "الفيس بوك"وهو ينصح طلاب العلم والباحثين قائلا:
"القيمة العلميّة لألفاظ التوثيق؟!
ممّا لا يخفى على طلبة العلم أنّنا جميعاً قبلَ الحكم على الحديث؛ نحاولُ جاهدينَ الوقوفَ على توثيق عالم ناقدٍ معتبرٍ، من أمثال الأئمة أحمد وابن معين وابنالمديني وأبي زرعة وأبي حاتم...إلخ.
فإنْلم نجدُ؛ بحثنا عن توثيق العجلي وابن حبّان وابن شاهين.
فإن لم نجد؛ اكتفينا بتوثيق الذهبيّ وابن حجر والهيثميّ والمُناوي والسيوطي...وهكذا.
وقدذكرتُ في غير واحدٍ من كتبي أنّ هذا منهج باطلٌ، لا يجوز اعتمادُه وحدَه في الحكم على الأسانيد!
إنّعلماء الحديث، يطلقون ألفاظ التوثيق أحياناً على المجاهيل الذين لم يرو عنهم سوىراوٍ واحدٍ، وأحياناً يصححون حديث المجهول، أو يحسّنونه باعتبار!
ويطلقون ألفاظ التوثيق أحياناً على راوٍ لا يتّفقون على اسمه!
ويطلقون ألفاظ التوثيق أحياناً على راوٍ لا يعرفونه إلا من سياقة الإسناد، لكنّ حديثَه الواحدَ موافق لرواية ثقة غيره!
ويطلقون ألفاظ التوثيق أحياناً على راوٍ لا يعرفونه إلا من سياقة الإسناد، لكنّه روىفضيلةً لأبي بكرٍ أو عمر!
ويطلقون ألفاظ التوثيق أحياناً على راوٍ لا يعرفونه إلا من سياقة الإسناد، لكنّه روى حديثاً يوافق مذهب أهل السنّة في القدر!
فإذا جاء راوٍ مثل هذا تماماً، لكنه روى فضيلةً لعليّ، أو روى واقعةَ شجارٍ حصلتْ بين الصحابة؛ شرّحوه، وضعّفوه، وعملوا به العمايل!؟
وقالوا:روى ما يؤيّد بدعته؟
إذا روى السني أو الناصبيّ حديثاً في فضل أبي بكر؛ فلا يقال أبداً: إنه روى ما يؤيّد بدعته، مع أنّ الهوى هو الهوى!
ثمّإنّ الناقد من المحدّثين قد يوثّق الراوي المعاصر له، وقد يوثّق راوياً أورواة من طبقة شيوخه.
وقد يوثّق رواةً من جيل الصحابة، رجّح هو أنّه ليس بصحابيّ!
وقد يوثّق رواةً من جيل التابعين، ووفاة الناقد بعد الثلاثمائة!
من أمثال النسائيّ وابن خزيمة والعقيلي وابن أبي حاتم وابن حبان وابن عديّ والدارقطنيّ!
فمن أين لهم المعرفة بهم، إذا لم يتكلّم عليهم أقرانهم أو تلامذتهم؟
إنّ مما لا شكّ فيه أنهم اعتمدوا على النظر في رواياتهم، فإن وافقت ما رواه الثقات، أووافقت منهاجَ أهل السنّة، أو وافقت الهوى الأمويّ؛ أطلقوا القول بالتوثيق غالباً.
ونقّاد الحديث يختلفون في الراوي الواحد، فهذا يوثّقه، وهذا يعدّه صدوقاً، أو لا بأس به، والآخر قد يضعّفه أو يجهّله.
وقد كتب أخونا الدكتور إيهاب النتشة رسالته للماجستير عن (مفهوم الثقة عند المحدّثين)فتوصّل إلى أنّه مصطلح (فضفاض) متباين بين المحدثين بعضهم مع بعض، ومتباين لدىالمحدّث الواحد!
فمرّةً يطلقونه، ويريدون به الراوي الجامع بين العدالة والضبط!
ومرّةً يطلقونه، ويريدون به الراوي عدل الدين.
ومرّةً يطلقونه ويريدون به الراوي الصادق.
ومرّة يريدون أنّه لم يرد فيه جرح!
وقد يوثّقون راوياً ليس له سوى حديثٍ واحدٍ، بينما يحكمون على راوٍ له أكثر من (100)حديثٍ بأنه صدوق، أو لا بأس به، وقد يكون من العلماء أو القضاة أو المفتين!
لذلك يجب أن تكون ألفاظ التوثيق هذه استئناسيّة في الحكم على الحديث، وليست هي المعيارَ الأوحدَ أو الأوّل، إنما يتعيّن أن تسبقَ ذلك خطواتٌ عديدة:
الخطوة الأولى: موقع هذاالحديث من مراتب الأدلة النقليّة:
هل في بابه شواهد كثيرةٌ تبلغ حدَّ التواتر؟
هل في بابه شواهد كثيرةٌ تبلغ حدَّ الشهرة، أو الاستفاضة، أو العزّة؟
أو هو غريب؟!
وإذاكان فرداً غريباً، لم يروه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، سوى صحابيّ واحد، فهل تُعطى جميع الأحاديث الغرائب حكماً واحداً؟
كلّا! فقد وجدت في أثناء تخريجنا للبخاريّ ومسلم أنّ (97%) من أحاديثهما غرائب بهذاالاعتبار!
لكنْ وجدنا مئاتٍ من هذه الأحاديث، يروي الواحدَ منها عن الصحابي عشرةٌ من التابعين، تسعة، ثمانية، خمسة، ثلاثةٌ.
ووجدناكثيراً جدّاً من هذه الأحاديث من الفرد المطلق، لم يروه عن الصحابيّ إلا تابعيّ واحدٌ!
ووجدناكثيراً من الأحاديث تُشتهر بعد التابعيّ مباشرةً، فيرويها عنه ثلاثةٌ، أو خمسة، أوأكثر!
لكنّنا وجدنا أكثر من هذه الأحاديثِ غريباً في ثلاث طبقاتٍ أو أربع طبقات!
فقبل أن نفرحَ بحكم الناقدِ على الراوي: (ثقة) علينا أن نعرف موقع الحديث المعروض للنقد أين؟
أهو بين المتواترات؟
أهو بين المشهورات؟
أهو بين المستفيضات؟
أهو بين العزيزات؟
أهو بين الغرائب؟
ومن أيّ الغرائب هو؟
أهو غريب في الطبقة الأولى، لكنه كان متداولاً في الطبقة الثانية؟
أم هو من الفرد المطلق؟
والتفرّد في طبقة التابعين فقط؟
أم في طبقة المصنفين الرابعة أو الخامسة أو السادسة أحياناً؟
الخطوة الثانية: معرفة قيمة الإسناد الروائية:
هل روى المحدّثون بهذا الإسناد أحاديث كثيرة، أو متوسطة، أو قليلة؟
وإذا كانت قليلة، فكم هي، وما المواضيع التي رُويت فيها؟
هل هي في الأحكام؟
هل هي في التفسير؟
هل هي في الرقاق والمناقب؟
أمّا إذا لم نجد بهذا الإسناد في الكتب الستّة أو التسعة، أو الأربعة عشر، سوى هذا الحديث الواحد، فيتعين علينا أن نتوقّف كثيراً.
الخطوة الثالثة: هل الراوي الموثّق الذي لم يرو عن شيخِه سوى هذا الحديث الواحد في صحيح البخاريّ، هل لقاؤه بشيخه ثابت معروفٌ، وهل ملازمته لشيخه معلومةٌ، أو هي مجرّد المعاصرة؟
بمعنى أوضح!
إذا كانت الأمّة كلّها لا تعرف هذا الحديث إلا في صحيح البخاريّ، أو في صحيح مسلمٍ، أو في صحيح ابن حبان.
وهو يرويه عن شيخه وحده، وشيخُه يرويه عن شيخه، وهكذا إلى آخر السند!
ولم نجد في المصنفاتِ والمعاجم وأحاديث الأحكام ذكراً له، ولا عَمِل بمضمونه الصحابة ولا التابعون، فما حكمه، وما قيمة حديثٍ شاذٍ غير معروف لدى علماء الأمّة، حتى لوكان جميع رواته موثّقين؟
كان في صحيح البخاريّ، أم كان في معجم الطبرانيّ؟
وإليك بعض الأمثلة التي تؤكّد لك أنّ اعتماد النقّاد في الحكم على الراوي؛ هو مروياتُه،حتى لو كان هو مجهولاً لديهم:
(1) في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبو صالح الخراساني من الجرح والتعديل (2: 39) قال:
روى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المديني.
روى عنه صالح بن بشر بن سلمه الطبرانيّ.
حدثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ مجهول، والحديث الذي رواه صحيح.
(2) وفي ترجمة عمرو بن محمد (6: 262) قال:
روى عن سعيد بن جبير، وأبي زرعة بن عمرو بن جرير.
روى عنه إبراهيم بن طهمان.
سألت أبي عنه؟ فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير؛ فهو حسن، والحديث الآخر الذي رواه عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير؛ فإنه يرويه الناس!
(2) وفي ترجمة إبراهيم بن زكريا المكفوف البصري العجلي (2:101)قال:
روى عن همام بن يحيى.
روى عنه يوسف بن موسى القطّان.
سألت أبي عنه؟ فقال: مجهول، والحديث الذي رواه منكر!
(4) وفي ترجمة إسماعيل بن إبراهيم (2: 157) قال:
روى عن المثنى بن عمرو...
روى عنه أبو عبد الرحمن المقرئ.
سمعت أبي يقول: هو مجهول، والحديث الذي رواه ليس بشيء!
(5) وفي ترجمة بيان بن عمرو أبو محمد المحاربي (2: 425) قال:
روى عن سالم بن نوح، ويحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي.
سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو شيخ مجهول، والحديث الذي رواه عن سالم بن نوح؛ حديثٌ باطل!
أرجو من طلبة العلم الشادين أن يتنبّهوا إلى مثل هذه الملاحظات، حتى لا يضيّعوا عشراتِ السنين من أعمارهم، قبل أن يكتشفوا ما توصّلنا إليه في شيخوختنا.
والله تعالى أعلم
والحمد لله ربّ العالمين."
انتهى.
مقالة ينصح فيه الشيخ أسلوب النقد للأحاديث، وكلامه فيه فوائد، ولكن الذي يهمني أسلوبالنصب، قبول رواية المجهول إن كان في ذكر فضل الصحابة، بينما إذا الراوي المجهول ذكر فضل سيدنا علي، لم يقبلوا روايته، وعللوا بتعاليل تافهة.
ومن أسلوب ومظاهر النصب أيضا، قاعدة هشّة مخرومة، وهي "الكف عما شجر بين الصحابة" بحيث أنه طبق فيمن قاتل علي ابن أبي طالب من الصحابة، وخصوصا معاوية ابن أبي سفيان، الكف عنهم، وعدم ذكرهم بسوء، في حين أن أهل الجرح والتعديل نالوا من الصحابة المألبين ضد عثمان بن عفان، وجرحوهم مثل عمرو بن الحمق الخزاعي، وعبدالرحمن بن عديس البلوي، وهما صحابيان جليلان أحدهما من أهل بيعة الرضوان، أفضل من معاوية بكثير جدا جدا!!! فلم الكف عن معاوية، ولم يكفوا عن البلوي وعمرو بن الحمق!؟
حتى أن ملوك بني أمية ودولتهم كانوا يبغضون سيدنا عليا ويلعنونه، ذكرهم عماد الدين ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (13/210) بأرجوزته قال فيها:
وهكــذا خلفــاء بني أميــــــة
عدتــهم كــعـــــدة الرافضيــــــــة
ولكــن المــدة كانـت نـاقصـة
عـن مائـة مــن السنيــن خالصـــة
وكلـــهم قــد كــــان ناصبيــا
إلا الإمـــــــام عمـــــر التـقـيــــــا
معاويـــــة ثــم ابنــه يزيــــد
وابــن ابنـــه معاويــــــة الســديـد
مـروان ثم ابن له عبد الملك
منابــــذ لابـن الزبيــرحتى هلك
ثــــم استقــل بعـــده بالمـلك
فـــي سائــــر الأرض بغير شك
ثم الوليد النجل باني الجامع
وليــــس مثلــه بشكلـه من جامع
ثــم سليمــان الجــواد وعمر
ثــــم يزيــــد وهشـــــام وغــدر
أعنـي الوليــد بن يزيد الفاسقا
ثــــــم يزيـــد بن الوليـد فائقا
يلقــب النــاقـــص وهـو كامل
ثـــــم إبراهيــــم وهـو عاقــل
ثـــم مـروان الحمـار الجعدي
آخرهـم فاظفـر بذا من عندي
والحمــــد لله علــــى التمـــام
كــــــذاك نحمـد علـى الإنعامِ
ثــم الصــلاة مـع تمام العــدد
علــى النبـي المصطـفى محمد
وآلــــه وصحبـــه الأخيـــــار
في سائـر الأوقـات والأعصار
وهــذه الأبيـات نظم الكاتـب
ثمـــــانيـــة تتمـــــة المنـاقـب
انتهى
حتى عمّال بني أمية غالبهم نواصب كالحجاج بن يوسف الثقفي، جاء في ترجمته أنه ناصبي ظالم، وكان ينال من الصحابة رضي الله عنهم، منهم سيدنا عبد الله بن مسعود، وسيدنا أنس بن مالك، وسيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم، فقد جمع السيئتين، بغض آل البيت واحتقارهم وهذا نصب واضح، مع إهانة الصحابة.
وعن عطاء بن أبي رباح، وغيره من أصحاب ابن عباس، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((يابني عبد المطلب، إني سألت الله لكم ثلاثا: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى، وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار)).
قال الحاكم: "هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.المستدرك على الصحيحين (3/161)ومجمع الزوائد (9/171).
وقد قلت أن بنو أمية كانوا نواصب إلا عمر بن عبد العزيز بن مروان، وكذا غالب بنو العباس، والذي بدأ بالنصب والعداء الظاهر أبو جعفر المنصور العباسي، وقتله للإمام محمد ذو النفس الزكية وأخوه إبراهيم.
كل الذي ذكرته نماذج مررت عليها للتأكيد أن عندنا نصب، ونفور عن آل البيت الكريم عليهم السلام، ويجب أن نعرِّفه ثم ننبذَهُ، وننقح ساحتنا منه، ونضع أيدينا على مواطن النصب ونحذر منه، حتى لا يقع فيه أصحابنا من حيث لا يعلمون، كما أفعل في هذا الكتاب، ونصوّب الصواب، ونخطئ الخطأ، دون تبرير، وتمحل، وأسأل الله تعالى التوفيق،والسداد.
والذي شجعني على تأليف هذا الكتاب هو عدم تأليف مصنف يتكلم عن النصب وعن النواصب وتراجمهم، عن أهل السنة والجماعة، كما ذكر عدد من الشيوخ ذلك منهم العلامة السيد حسن بن علي السقاف – حفظه الله تعالى- سألته قائلا: هل يوجد كتاب خاص تطرق لظاهرة النصب بجزء مستقل تكلم فيه؟ قال -حفظه الله عز وجل: "ربما نكون بحاجة لكتاب يشرح لنا معنى النصب ويعرفه ... ويذكر لنا مظاهره ... " اهـ
كمايؤكد الدكتور المحدث محمود سعيد ممدوح -حفظه الله تعالى - في برنامج الفيس بوكيقول: "النصب نوع من أنواع الابتداع الشنيع ، ويذكره المحدثون في كتب الرجال، وللحافظ ابن حجر العسقلاني كلام حوله في مقدمتي ( لسان الميزان ) و( هدي الساري مقدمة فتح الباري ) ، وعلماء الإصطلاح في كتبهم يذكرونه .
بيدأن علماء العقائد والملل والنحل يتحاشون ذكره !!!" اهـ
ولذلك تشجعت في كتابه مصنف خاص أذكر فيه النصب، وتعريفه، وما قيل عنه، وقد أطلقت على تصنيفي هذا إسم "الرأي الصائب في النصب والنواصب".
والحمد لله رب العالمين.
كتبه
بدر فريح الورّاد
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين
15 / 8 / 2017 ميلادي
23 من ذي القعدة 1438 هجرية