الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي والمصطفى، وآله أهل الوفى.
وبعد:
إن الأمة الإسلامية منذ قديم الزمان تعيش في صراعات مذهبية، وتطاحنٍ بينها، وقتال، تهدأ لفترة من الفترات، ثم تثور فجأة بفعل فاعل، أو تحرش، أو وشاية إلى السلطان أو بطرق أخرى، وفي أيامنا هذه بعد ما يسمى الربيع العربي، تحولت القضايا والخلافات السياسية إلى طائفية، وأخذ التاريخ يعيد نفسه من جديد، ولكن ليس التاريخُ عاقلا ليعيدَ نفسَهُ، ولكن العقول المتحجرة، وموروثاتنا فيه تعطيلٌ للعقول، لعدم النقد للموروث حتى نميز به الخبيث من الطيب، فما عدنا نميز، فتكررت الأحداث ذاتها كلما تغير الزمن لأن الأفكار السابقة، الخَلِقَةُ البالية، هي كما هي تدرَّس فتنتج عقليات متحجرة، لأنها أفكار بالية، خلقة قديمة لا تصلح للوقت الحالي، ساعدت على التطرف والغلو!!
ومن الممكن أن أستعرض على عجالةٍ نماذجَ من هذه الصراعات المذهبية، في عالمنا الإسلامي القديم، منها في عام 402 من الهجرة قام أهل الكرخ وباب الطاق بقيام عمل عاشوراء، حيث تم السماح لهم من قبل ابن المقلد حاكم الموصل وأعلن التبعية للدولة الفاطمية الشيعية، وفي الربيع الآخر من هذا العام قام القادر بالله العباسي بترميم مسجد الكف للشيعة وإعماره، وتم في ذلك انتشار المذهب الشيعي في البلاد الذي جاء متزامنا بقوة الدولة الفاطمية، ودعوة الحاكم بأمر الله الفاطمي لولاة الأقاليم بالولاء له وطاعته، فرفض أغلبهم طلبه.
وعندما ضعف إمداد الدولة الفاطمية على العراق وما حولها في عام 406 من الهجرية تعرض أهل الكرخ للاعتداء والتوبيخ، وشرطوا عليهم عدم إظهار شعائرهم في عاشوراء وغيرها، وجاء عام 407 من الهجرة تعرض مرقد الإمام الحسين عليه السلام، والأروقة للحرق، وذلك في الربيع الأول، فحدثت الفتنة بين السنة من الحنابلة والشيعة، حتى جاء عام 408 من الهجرة التي تفاقم الأمر بين الحنابلة وبين الشيعة من اقتتال وشجار، وفيها استتاب القادر بالله العباسي الشيعة بتحريض من الحنابلة ...!!
واستمر الحال من الفوضى في الكرخ، في تلك الفترات خلال حكم القادر بالله العباسي وابنه القائم الذي أصدر كتابا فيه اعتقاد القادري وعممه، وألزم الناس به، فعانى الشيعة وغالبهم من الجعفرية وقليل من الزيدية هذا القرار المتعسف، حتى هدأت الأمور عام 450 من الهجرة.
ذكر الحافظ ابن الأثير في كتابه " الكامل في التاريخ" (8/129) عام 447 من الهجرة وما جرى فيها من أحداث، قال:
"في هذه السنة وقعت الفتنة بين الفقهاء الشافعية والحنابلة ببغداد، ومقدم الحنابلة ببغداد أبو يعلى الفراء وابن التميمي، وتبعهم من العامة الجم الغفير، وأنكروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ومنعوا الترجيع في الآذان، والقنوت في الفجر ..." اهـ
كما جرى في الري، فقد سكنها خليط من المذاهب المختلفة في العقائد والفقه، فكان فيها من الحنابلة الحشوية، والشيعة الجعفرية، والشافعية الأشعرية، والأحناف المعتزلة، والزيدية، كل منهم له اتجاهاته الفكرية والعقائدية وجرت بينهم تطاحنات كلامية ومناظرات وردود أفعال، ذكر بعض منها الصاحب بن عباد.
كذا في قرية طبرستان، واعتقد هي منطقة آمل في إيران – إن لم أكن مخطئًا- كان يسكنها الحنابلة الحشوية، والشافعية الأشعرية، والشيعة الجعفرية، جرت مشاجرات بين الحنابلة والشافعية من جهة والشيعة من جهة أخرى، ثم جرت بعد ذلك مشاجرات أخرى بين الحنابلة والشافعية بعضهم البعض.
هذا استعراض طفيف دون سرد بتفصيل.
انتهى من كتاب (رأي سديد يجب أن نسنة بمن يعد من الجماعة وأهل السنة)
---------
صراعات بين أهل السنة
كما ذكر ابن الأثير ابن جرير الطبري الذي توفى عام 310 في تاريخه حيث قال: و إنّما بعض الحنابلة تعصّبوا عليه، ووقعوا فيه، فتبعهم غيرهم، ولذلك سبَب، وهو أنّ الطبريّ جمع كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء، لم يصنف مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حَنبَل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيهاً، وإنّما كان محدّثاً، فاشتدّ ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يحصون كثرة ببغداد، فشغبوا عليه، وقالوا ما أرادوا:
حَسدوا الفَتى إذ لم ينالوا سَعيّه
فالناسُ أعداءٌ له وخُصومُ
كضرائرِ الحَسناءِ قُلنَ لِوَجهِها
حسَداً وبَغياً إنّه لَدَمِيمُ
انظر الكامل في التاريخ (7/8-9)
------
وفي عام 469 من الهجرة جرت في بغداد مشكلة حول الواعظ أبي نصر بن القشيري الشافعي الأشعري مع الحنابلة عندما دخل بغداد في هذه السنة جرت بينه وبين الحنابلة مناظرة في مدرسة النظامية حيث كان يعظ الناس، وقد ذكر ابن الأثير الأحداث حيث قال: لأنه تكلم على مذهب الأشعري، ونصره، وكثر أتباعه والمتعصبون له، وقصد خصومه من الحنابلة، ومن تبعهم، سوق المدرسة النظامية وقتلوا جماعة.وكان من المتعصبين للقشيري الشيخ أبو إسحاق- الشيرازي شيخ الشافعية-، و شيخ الشيوخ-أبو سعد الصوفي-، وغيرهما من الأعيان، وجرت بين الطائفتين أمور عظيمة
انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (8/413 - 417)